بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله معز الإسلام بنصره ومذل الشرك بقهره ومصرف الأمور بأمره
ومستدرج الكافرين بمكره الذي قدّر الأيام دولاً بعدله وجعل العاقبة للمتقين بفضله
والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه أما بعد :
فقد احزنني ماكتبه احد اخوة موضوع بعنوان (تارك الصلاة)يهاجم فيه من يكفر تارك الصلاة ومما زاد الطينة بلة، والخرق اتساعاً، والجفاء جفاء وتفريطاً، هو ما يشيعه دعاة الإرجاء والتجهم بين الناس من أقاويل وأراجيف مفادها : أنه لا يضر مع التصديق والاعتقاد كفر مهما كان بواحاً، وأن المرء الذي يأتي بالاعتقاد هو مؤمن، وهو من أهل الشفاعة الذين تطالهم وتنفعهم شفاعة الشافعين، وإن لم يأت بشيءٍ من الأعمال الظاهرة، أو كان ظاهره التمرد والعصيان والخروج عن الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
فهو مادام ينتمي لأبوين مسلمين ـ ولو بالاسم والهوية ـ أو ينطق بشهادة التوحيد ـ ولو باللسان فقط من دون أن يأتي بشيء من متطلباتها ولوازمها الأخرى ـ هو مسلم مهما كان منه من عمل، هكذا أفهموه وعلموه مشايخ الإرجاء والتجهم، فأضلوا بذلك الناس، وهونوا عليهم الكفر البواح، وشأن الصلاة، فزادوهم رهقاً وتفريطاً على تفريط ..!
فدعانا ذلك لأن نتناول هذا الموضوع الهام؛ موضوع الصلاة وحكم تاركها، إبراءً للذمة وتحذيراً للأمة من الهلكة واتباع الغاوين،( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)الأنفال:42.
اعلم رحمك أن الصلاة لها شأن عظيم في الإسلام، فهي عموده الذي لا يقوم بناء صحيح من دونه،والذي بزواله يزول الدين كله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروةُ سنامه الجهاد ". فكما أن البناء له عمود يزول بزواله وينهار، كذلك الدين فعموده الصلاة يزول بزوالها وينهار ..
حكم تارك الصلاة كلياً :
الراجح في تارك الصلاة كلياً أنه كافر بيقين كفراً أكبر، وذلك كله مع الإقرار بوجوبها، هذا ما نصت عليه أدلة الكتاب والسنة، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الهدى والدين، وإليك بيان ذلك :
أما أدلة الكتاب، فقد قال تعالى: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقومٍ يعلمون} التوبة: 11.
يقول صاحب الطبري: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم عن كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدّوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها فإخْوَانُكُمْ في الدّينِ
ومن الأدلة كذلك على كفر تارك الصلاة، قوله تعالى:{ يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}القلم:42-43. وهذا وعيد بحق الكافرين والمنافقين الذين كانوا يدعون في الحياة الدنيا إلى السجود لله تعالى والصلاة فيأبون ويعرضون، وكل من كان في الحياة الدنيا تاركاً للصلاة فهو معني بهذا الوعيد الوارد في هذه الآية، وصفة الكفر والنفاق تطاله وتشمله .
قال ابن كثير في التفسير(4/435): ولما دُعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة إذا تجلى الرب فيسجد له المؤمنـون،ولايستطيع أحد من الكافرين والمنافقين أن يسجد بل يعود ظهر أحدهم طبقاً واحداً، كلما أراد أحدهم أن يسجد خرَّ لقفاه عكس السجود كما كانوا في الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون . انتهى . وقال البغوي في التفسير: قوله : {يدعون إلى السجود فلا يستطيعون}، يعني الكفار والمنافقون، تصير أصلابهم كصياصي البقر فلا يستطيعون السجود . انتهى .
وفي الحديث الذي يرويه مسلم وغيره، وفيه: " أن الله تعالى يلقي في نار جهنم جميع الكفار من عبدة الأصنام وكفار أهل الكتاب وغيرهم، حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بَر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فماذا تنتظرون، لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها، فيقولون: نعم، فيكشف عن ساقٍ فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد نفاقاً ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه " .
والسؤال: إذا كان هذا حال من كان يسجد لله من تلقاء نفسه ومن يسجد نفاقاً، فما هو حال الذي لم يسجد لله قط، وأين مكانه ؟
فالحديث يدل على أنه ألقي في نار جهنم مع الكافرين، حيث لم يبق من العباد لمعاينة ذلك المشهد العظيم إلا من كان يسجد لله تعالى طوعاً من تلقاء نفسه، أو من يسجد نفاقاً، ولم يشاركهما صنف آخر من العباد، كما أن تارك الصلاة والسجود لم يعد ممن يعبد الله من بَر أو فاجر، فلزم أن يكون من الكافرين، ومع الكافرين في جهنم وبئس المصير .. فتأمل ذلك .
وفي السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر مشرك، كما في صحيح مسلم:" بين الرجل وبين الشرك والكفر، ترك الصلاة ".وقالصلى الله عليه وسلم :"ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة" .
وقال صلى الله عليه وسلم : " بين الكفر والإيمان ترك الصلاة " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك الصلاة فقد كفر " . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تترك الصلاة متعمداً، فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله " .
وعن معاذ بن جبل قال: أوصاني رسول الله بعشر كلمات، قال: " لا تشرك بالله شيئاً وإن قُتلت وحُرقت، ولا تعقنَّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنَّ صلاة مكتوبة متعمداً، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله .. " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " آخر ما يُفقد من الدين الصلاة ". وقال صلى الله عليه وسلم : " آخر عرى الإسلام نقضاً الصلاة" . قال الإمام أحمد : كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاة المرء، ذهب دينه
قال عمر بن الخطاب :" لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة "، وهذا نفي يفيد الخروج من مطلق الدين، حيث ليس لصاحبه أدنى حظٍ في الإسلام ..
وعن ابن مسعود قال:" من ترك الصلاة فلا دين له " .وعن أبي الدرداء قال: " لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له " .
فكما أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، وأن المرء لا ينتفع من صلاة بغير وضوء ، كذلك الصلاة فهي شرط لصحة الإيمان، يثبت الإيمان بثبوتها وينتفي بانتفائها ..
وعن علي بن أبي طالب قال: " من لم يصل فهو كافر "
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: " من لم يصل فهو كافر " وعن حماد بن زيد، عن أيوب قال: ترك الصلاة كفر، لا يُختلف فيه .
وعن محمد بن نصر المروزي، سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر
قال ابن حزم : وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفاً . انتهى وقال ابن تيمية في الفتاوى(28/308): وأكثر السلف على أنه يُقتل كافراً، وهذا كله مع الإقرار بوجوبها . انتهى .
وقال رحمه الله (22/49): فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلماً . انتهى .
حكم المصلي الذي لا يحافظ على الصلاة :