شـيخ الأزهـر وحـرب النقاب
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "
أما بعد ...
بتاريخ الخامس من أكتوبر حملت لنا الأنباء ( صحيفة " المصري اليوم " العدد ١٩٤0 بتاريخ الاثنين ٥ اكتوبر ٢٠٠٩ ( خبرا مفاده أن شيخ الأزهر أجبر إحدى الطالبات المنتقبات على خلع نقابها ، أثناء جولته التفقدية لمعاهد الأزهر يوم السبت الماضي ، معلناً عزمه إصدار قرار رسمى بمنع دخول المنتقبات معاهد الأزهر.
وقالت الصحيفة في معرض تفصيلها للخبر بأنه : فوجئ طنطاوى أثناء جولته التفقدية فى معهد فتيات أحمد الليبى بمدينة نصر، أمس الأول ، بإحدى الطالبات فى الصف الثانى الإعدادى ترتدى النقاب داخل الفصل ، فانفعل بشدة وطالبها بضرورة خلع نقابها قائلاً: " النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الإسلامى من قريب أو بعيد.
واستمرت الصحيفة في وصفها للواقعة : " ولم تجد الطالبة أمامها وسيلة أخرى فى مواجهة إصرار شيخ الأزهر على خلع النقاب سوى تنفيذ الأمر بخلعه وكشف وجهها ، فرد طنطاوى قائلاً : " لما إنت كده أمال لو كنت جميلة شوية كنت عملتى إيه ؟
واكدت الصحيفة في بيان تفاصيلها للخبر : " وطلب شيخ الأزهر من الطالبة عدم ارتداء النقاب مرة أخرى طوال حياتها ، فقالت إنها تقوم بارتدائه حتى لا يراها أحد ، فرد طنطاوى منفعلاً : " قلت لك إن النقاب لا علاقة له بالإسلام وهو مجرد عادة ، وأنا أفهم فى الدين أكتر منك ومن اللى خلفوكى .
" وأعلن طنطاوى على الفور عزمه إصدار قرار رسمى بمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد الأزهرية ، ومنع دخول أى طالبة أو مدرسة المعهد مرتدية النقاب "
وإلي هنا ينتهي الخبر المؤسف الذي أصاب الكثيرين من المسلمين بالذهول ، حتي إن البعض استبعد أن يصدر مثل هذا التصرف من شيخ الأزهر بصفته علي رأس أعلي هيئة دينية إسلامية في مصر ، ولكن الملاحظ أن الخبر قد مر عليه اليوم ما يقرب من الأسبوع ، ولم يكذبه أحد ، ولم يصدر من الأزهر ثمة ما ينفي صحته ، بل علي العكس من ذلك ، فرغم ما أثار هذا التصرف الكثير من الجدل والاستياء بين المواطنين ، فقد نقلت نفس الصحيفة في اليوم التالي لهذه الحادثة الشاذة ، بأن عددا من علماء الأزهر أعلنوا تأييدهم لمنع ارتداء النقاب فى المعاهد ، مدعين أنه مجرد عادة لا علاقة لها بالدين ... من هؤلاء الدكتور عبدالمعطى بيومى ، عضو مجمع البحوث الإسلامية ( الخاضع لرئاسة شيخ الأزهر ) .
ومنهم أيضا الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة فى جامعة الأزهر، التي طالبت بأن يتجاوز الأمر مجرد إصدار قرار إلى سن قانون رسمى يجرم ارتداء النقاب للحفاظ على سلامة وأمن المجتمع علي حد قولها .
ومن هنا نري أنه من الضروري أن يكون لنا وقفة مع المرأة المسلمة ، بوصفها جزءًا من الجسد الإسلامي الذي يتعين على القادرين صيانته من كل الآفات الطارئة عليه من خارجه ، أو المنبعثة من داخله ، والتي تستهدف عافيته وسلامته .
إن أهمية مظهر الإسلامي للمرأة يأتي من كونه موضوعا يتعلق بحياة المرأة المسلمة : أمًّا ، وزوجًا ، وأختا ، وإبنة ، وأصبح الآن ميدانا لحرب معلنة بعد أن كانت تدار في الخفاء ، تلك الحرب التي تسعى لإغراق المرأة المسلمة في بحر من الآفات لا تملك النجاة منه .
إن مسألة حجاب المرأة المسلمة ليست بقضية جديدة علينا ، بل هي حرب مستعرة بيننا وبين أعدائنا من الكفار منذ بزوغ شمس هذا الدين الحنيف ، ابتداء من حادثة يهود بني قينقاع ، ومرورا بالقوانين التي أصدرتها بعض الدول الغربية لمنع حجاب المسلمات في دور العلم ، وإصدار القوانين التي تحرم الحجاب في بعض الدول المحسوبة علي الإسلام مثل تركيا ، بل والتعصب الأعمي ضد الإسلام ومحاولة طمس معالمه الظاهره ، وصراحة السياسة الأمريكية في تخطيطها لتعرية المرأة المسلمة ، كما جاء علي لسان بوش اللعين في إحدي خطب حال الاتحاد ، لدرجة أن أضحت محاربة الحجاب جزءا من السياسة الأمريكية في محاربة الإسلام تحت زعم ما يسمي بالإرهاب الإسلامي ، وهذا كله امتداد لحقد يهود بني قينقاع الدفين ورغبتهم المستميتة في كشف سوآت نساء المسلمين .
عن أبي عون قال : كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها ، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً ، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهلُ المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع .
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة ، حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال: يا محمد أحسن في موالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم لك. ( تهذيب سيرة ابن هشام 1 / 239 )
فهل كانت هذه الغزوة من أجل أمر لا فرض هو ولا سنة ؟؟ أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع ... سبعمائة مقاتل يا شيخ الأزهر كانوا علي وشك القتل انتقاما لشرف أَمَةٍ مسلمة راودها اليهود علي كشف وجهها ، فماذا يكون مصير الذي يجبر فتاة مسلمة علي كشف وجهها ؟؟ ثم يقول إن النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الإسلامى من قريب أو بعيد ؟؟
في كتابه " التفسير الوسيط " عند تفسيرالآية 59 من سورة الأحزاب : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " يلخص سيد طنطاوي (1 / 3450) : رأي الإِمام أبو حيان فيقول : " ان الأرجح أن المراد بنساء المؤمنين ، ما يشمل الحرائر والإِماء وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع ، وأن الحكمة من وراء هذا الأمر باسدال الجلابيب عليهن ، درء التعرض لهن بسوء من ضعاف الايمان . "
ثم يستشهد علي ذلك بقول الإمام أبو حيان فيقول : " فقد قال - رحمه الله - : والظاهر أن قوله : { وَنِسَآءِ المؤمنين } يشمل الحرائر والإِماء ... { ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ } لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن ، ولا يلقين ما يكرهن ، لأن المرأة إذا كانت فى غاية التستر والاحتشام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها .
ثم يعود طنطاوي فيؤكد بقوله : " ويبدو لنا أن هذا الرأى الذى اتجه أبو حيان - رحمه الله - أولى بالقبول من غيره ، لتمشيه مع شريعة الإِسلام التى تدعو جميع النساء إلى التستر والعفاف ."
فمن نصدق إذن ؟ الدكتور سيد طنطاوي المفسر للقرآن الكريم ، أم فضيلة شيخ الأزهر الذي يعامل معاملة رئيس الوزراء من حيث المخصصات والمزايا المادية ؟
لن أخوض في الحديث عن الخلاف حول فرضية النقاب من عدمه ، وبغض النظر عن كون تغطية الوجه واجباً أم لا ، فإنه لا أحد ينكر مشروعية هذه التغطية لا من جهة أنها مباحة ، بل من جهة التعبد لله تعالى بالاستتار عن الأجانب ، ولا يخالف من له أدنى حظ من الفهم والعقل في أن تغطية الوجه هي الصورة الأكمل والأورع والأتقى لحجاب المرأة المسلمة .
وحتي إذا نظرنا للأمر من وجهة نظر الحرية الشخصية وحقوق الإنسان ، أليس من حق هذه الفتاة أن ترتدي ما تراه مناسبًا للحشمة والوقار، كما أخذت غيرها الحق في أن تخلع ما تشاء بدعوي الحرية الشخصية ومواكبة التحضر؟!!
وحين يكون اختلاف فقهى فى أمر ديني فليس من حق أحد ان يشرع قانونا يجبر غيره على وجهة نظره ، وهذه الأفعي التي تطالب بسـن قانون رسمى يجرم ارتداء النقاب بحجة الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع ، هل النقاب هو الأكثر خطورة على سلامة وأمن المجتمع ؟ أم أن العري والتفسخ والملابس النسائية الضيقة والمجسمة هي الأكثر خطورة ، وهي التي تشجع الشباب على التحرش والاغتصاب ، أيهما يحتاج لتشريع بتحريمة يا من لست بآمنة ولا أمينة ؟
إن تصرف شيخ الأزهر سـقطة لا لعا لها ، وهي ليست السقطة الأولي ، ولا أحسبها ستكون الأخيرة ، فتاريخه غص بالسقطات ولن نفتش عنها وإنما نكتفي بأواخرها : فقد أحل الربا ( فوائد البنوك ) ، وأحل التبرع لبناء الكنائس من أموال المسلمين ، ووصف رأس الكفر في مصر بالموحد ، وأصدر كتابا علي حساب الأزهر ، بأموال دافعي الضرائب المصريين المطحونين ، يمدح فيه أوباما يجامل به الإدارة الأمريكية ، وكانت السقطة الأخيرة ـ كما يقول المثل ـ هي السقطة التي قصمت ظهر البعير ، فقد دعت إحدي الجماعات الإسلامية شيخ الأزهر إلى الاستقالة ، ولا أحسبه سيستقيل ، لأن له مهمة لابد أن يكملها .
وهذه المهمة فضحها من يسمون أنفسهم المدافعين عن حقوق الإنسان ، فقد سارع نشطاء حقوق الإنسان الأقباط إلى تأييد قرار شيخ الأزهر بعزمه منع ارتداء النقاب داخل المعاهد الأزهرية ، واعتبروه بطلا ليبراليا يجب أن يحتذي به من جانب "المتشددين" بالمؤسسة الدينية ، على حد تعبيرهم ، من ذلك :
تعليق نجيب جبرائيل مستشار الكنيسة ورئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان قال : آن الأوان أن يحتذي كثير من علماء الأزهر بالعالم الجليل محمد سيد طنطاوي على اجتهاده في صحيح الدين ، وأضاف: هكذا تعودنا على جرأة شيخ الأزهر وإظهاره الحقائق.
في حين قال ممدوح نخلة رئيس مركز الكلمة لحقوق الإنسان : ليس لدينا كلام في الناحية الدينية أكثر مما قاله العالم الجليل شيخ الأزهر، وضرب مثلا بتركيا وهي دولة إسلامية قال : إن النقاب لا ينتشر فيها ومعظم الدول العربية نفس الشيء ما عدا مصر والسعودية حيث تنتشر "عادة النقاب"
من جهته ، قال هاني الجزيري رئيس مركز المليون لحقوق الإنسان : أن قرار شيخ الأزهر له مغزى ومعنى ، وهو السير في طريق الدولة المدنية ، بالإضافة إلى كونه قرارا صادرا من أعلى مؤسسة دينية.
إن كل هذه الأجواء لتطرح سؤالين مهمين :
الأول : هل أصبح الأزهر وهو أكبر مؤسسة دينية في مصر تحت سيطرة العلمانيين ؟
الثاني : هل آن الأوان لأن تعتنق مصر دين الإسلام الأمريكى ، الذي تريد أن تطبقه الولايات المتحدة علي دول المنطقة ، وتحول مصر رسميا إلي دولة علمانية كما حدث ويحدث الآن في تركيا ؟
إننا كما نري نواجه معركةً ضارية في الدين ، فالواجب علي كل مسلم أن تكون له وقفة يحافظ بها علي عقيدته ، علي أمه ، علي زوجته ، علي أخته ، علي ابنته ، كل على حسب استطاعته ، وعلي حسب تنوع جبهات الهجوم ، لعلنا بذلك نستطيع أن نسهم في توجيه الأنظار ، ونستحث الخطى ؛ لتدارك خلل تَكْبُر رقعته مع الأيام .
إنهم يحاولون بكل استماتةٍ أن تتعري المرأة المسلمة كما تتعري اليهوديات والنصرانيات ، وهم يركزون الآن على كشف الوجه ، فإذا ما انتشر ذلك فإن المرأة التي لا ترى وجوب تغطية الوجه لن تستشعر أن هذه السهام متوجهة إليها ، ولا تكترث بها ، ولا يهمها أن قرارا قد صدر بمنع المنقبات من العمل أو الدراسة ، أو أن قانوناً قد سُـنَّ بمنع النساء من تغطية وجوههنَّ ، فالأمر عند هذا الحد لا يعنيها ، حتى إذا انهدم خطُّ الدفاع الأول ، توجهت سهامهم النتنة المسمومة بعدئذٍ إلى غطاء الرأس ، إلي الحجاب ، وهكذا حتى تصل نساء المسلمين إلى حال " كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ " ( ) وهو الأمر الذي نشاهده حاليا ـ في واقع الأمر ـ من حال كثيرمن المسلمات ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وخلاصة القول أنه يجب علي كل منا أن يقوم بدوره في الحفاظ علي دينه وشرفه وعرضه ، والتصدي لسموم اليهود وأعوانهم وعملائهم من خلال العمل بعكس مايريدون ، فإن كانوا هم يريدون كشف وجه المرأة المسلمة ، فعلينا أن نحثها ونشجعها علي إسدال الخمارعلى الوجه ، طلباً للصورة الأكمل والأحوط للتستر والعفاف ، سواء أعتقدت المسلمة وجوب النقاب أو ندبه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )
محبكم